ملفات الأهرام
41165 | السنة 123-العدد | 1999 | اغسطس | 21 | 10 من جمادى الأولى 1420 هــ | السبت |
من أوراق القرن العشرين طلعت حرب.. رائد الاقتصاد الوطني
[25نوفمبر1867-21اغسطس1941]
اعداد: عزة سامي
|
||
نطلب
الاستقلال ونطلب ان تكون مصر للمصريين, هذه هي امنية كل مصري, ولكن
مالنا لا نعمل للوصول اليها ؟ وهل يمكننا ان نصل الي ذلك الا اذا زاحم
طبيبنا الطبيب الاوربي ومهندسنا المهندس الاوربي والتاجر منا التاجر
الاجنبي والصانع منا الصانع الاوربي.. ارضينا ان يكون التعليم قاصرا علي
تخريج مستخدمين للحكومة وان نكون في بلادنا غرباء.. علينا ان نكون
عاملين في بلادنا علي احياء فكرة التجارة وملكة الصناعة في ابنائنا'
لقد كان طلعت حرب من الفطنة والذكاء بحيث ادرك ان الخطوة الاولي التي يجب ان تسبق اي دعوة للاستقلال عن انجلترا هي بناء اقتصاد وطني حر بسواعد ابناء مصر و رءوس اموالهم.. اقتصاد يمكنه الصمود امام اي محاولة تجويع أو إذلال للشعب المصري ورغم ان تلك المقتطفات من المقالة الهامة التي نشرها عبقري الاقتصاد المصري-طلعت حرب- في عام1907 كانت ضمن حملته الاعلامية الواسعة للدعوة الي تأسيس شركة مساهمة كبري برأس مال مصري لتكون نواة لبناء مثل هذا الاقتصاد الوطني ورغم ان هذه المقالة التي نشرتها جريدة المؤيد كانت تتناول احوال مصر في هذه الحقبة العسرة من تاريخها الا انها في الواقع مازالت تصلح لتكون درسا نقتدي به في الوقت الحالي ونحن نعبر منعطف الطرق. فاذا ما نظرنا الي الاستقلال بمفهومه الواسع الشامل لادركنا مدي احتياجنا لمثل هذه الروح الوطنية لارساء دعائم اقتصاد قوي يحقق صالح اصحاب رءوس الاموال ويخدم العامة من الشعب ويجعلنا نقف في مصاف الدول الصناعية المتقدمة. حصل طلعت حرب علي شهادة الحقوق بمرتبة الشرف في مايو1886 ثم حصل علي مرتبة الشرف في امتحانات الترجمة في فبراير1887 فكان علي درجة عالية من اجادة اللغة الفرنسية- قراءة وكتابة- وعين في نفس السنة مترجما في القسم القضائي بالدائرة السنية وبعد عام واحد, كان قد اصبح رئيسا لادارة المحاسبات ثم مديرا لمكتب تسوية المنازعات خلفا لمحمد فريد. ويعترف طلعت حرب ان هذه الفترة قدعلمته الكثير من الاقتصاديات الزارعية واسباب الديون التي يعاني منها ملاك الاراضي خاصة صغارهم الذين كانوا يلجأون لسداد ما عليهم من اقساط الي الاستدانة من المرابين اليهود حتي ينتهي بهم الامر الي ضياع ممتلكاتهم والتي لم تكن تتعدي اصلا عدة قراريط او علي اكثر تقدير فدان.. ومن هنا تولدت لديه فكرة ان الضمان الوحيد لحماية الفلاح المصري من الضياع هو ضرورة انشاء بنك وطني يحميه من استغلال المرابين وفوائدهم المركبة. وفي عام1905 ترك طلعت حرب دائرة السنية بعد قرار تصفيتها وان كانت هذه الفترة قد جعلته يكتسب شهرة في الاوساط المالية لقدرته وكفاءته علي ادارة الاراضي الزراعية وفي مسك الدفاتر وتنظيم الحسابات لينتقل من الدوائر الزراعية الي الشركات عندما قرر فيلكس سوارس- مدير احدي شركات الاتوبيس في القاهرة والذي كانت تربطه بطلعت حرب علاقة صداقة, تعينه مديرا لشركة كوم امبو ولشركة العقارات المصرية خلفا للمدير اليهودي عاداة بك, وهي المرة الاولي التي يعين فيها مصريا في منصب بمثل هذه الاهمية وفي شركات يملكها ويسيطر عليها الاجانب مما جعله محل مدح واعجاب كبار زعماء مصر الوطنيين في ذلك الوقت حتي مصطفي كامل الذي كان علي خلاف معه في الرأي كتب في الاهرام يهنئه قائلا:ان من الاشياء التي تسر كل مصري يحب بلاده وابناءها العاملين ما يكون منها شاهدا علي كفاءة المصري في الاعمال الجسيمة وتقدير الاوربيين له. علي ان حلمه في انشاء بنك مصر ظل محور تفكيره واهتمامه.. هاجس يؤرق منامه حتي اخرج, في نوفمبر1911, فكرته هذه في صورة كتاب بعنوان علاج مصر الاقتصادي وانشاء بنك للمصريين او بنك للامة ثم تلاحقت بعد ذلك الاحداث وتهيأت الظروف ليتحول حلمه الي حقيقة واقعة وهذه الظروف سبق تناولها في ورقة سابقة من اوراق القرن- المهم ان الفكرة تحققت وكان انشاء البنك مجرد بداية لسلسلة من المشروعات الوطنية العملاقة برءوس اموال المصريين وسواعدهم وبعض من الخبرة الاجنبية وان كان طلعت قد ظل حريصا علي ان تكون مشاركة العنصر الاجنبي في اضيق الحدود وعن هذا يقول الدكتور محمود متولي في دراسته عن الاصول التاريخية للرأسمالية ان مبدأ اشتراك الاجانب عند طلعت حرب كان مقيدا بعدة شروط:1- تكون الشركة مصرية صميمة تعمل في خدمة الوطن.2-يكون من اهم اغراض الشركات تكوين جيل من الخبراء المصريين3- ان تمصر هذه الشركات تماما كلما سنحت الفرصة. وكانت اول شركة قام بنك مصر بتأسيسها هي مطبعة مصر في اغسطس22, ويتساءل رشاد كامل صاحب كتاب طلعت حرب ضمير وطن ولماذا مطبعة علي وجه التحديد ؟ وعن هذا يجيب لقد لاحظ طلعت حرب ببصيرته الاقتصادية وولعه بالارقام ان هناك مبالغ ضخمة يصرفها البنك علي شراء دفاتره ومطبوعاته وطباعة ما يلزمه من دراسات واشياء خاصة بالبنك.. فلماذا لا يكون لدي بنك مصر مطبعة تتولي كل ذلك فيحقق اكثر من هدف كان يرجوه بالفعل الا وهو توفير النفقات وايجاد فرصة عمل للشباب وطباعة الكتب كعمل تجاري يحقق ربحا اما المشروع الثاني فكان تأسيس شركة لحلج الاقطان في اكتوبر42 وقد اعلن عنه عندما كان هو ومجموعة من العاملين في بنك مصر في جولة تفقدية لفرع البنك بمغاغة. وكانت الشركة تتولي شراء القطن المحلوج او غير المحلوج وبذور مختلف المحاصيل ثم امتدت فروعها حتي بلغت ثمانية فروع وتبع ذلك افتتاح شركة للنقل والملاحة لنقل القطن الذي تحلجه الشركة الي الاسواق ثم كانت المفاجأة التالية عندما قرر طلعت حرب انشاء مصنع للغزل والنسج في اغسطس27 بمدينة المحلة الكبري وبلغ نسبة استهلاك الشركة من الانتاج المحلي حتي عام9036% وارتفع عدد مصانعها الي21 مصنعا وتوالت المفاجآت: مصنع لنسج الحرير وشركة للكتان وشركة مصر لمصايد الاسماك. ويقال انه عندما تعرضت مصر لكارثة اقتصادية جعلت الشركات الاجنبية تتخلص مما لديها من مخزون القطن, رفض بنك مصر ان يحذو حذوهم حتي لا يتأثر الملاك والفلاحون المصريون, ويبدو ان اعجاب المصريين بما يقوم به البنك من مشروعات وطنية هامة قد جعلهم يتنازلون عن حقهم في الفائدة المقررة لهم عن اسهمهم, في نفس الوقت الذي زاد ت فيه عملية الاكتتاب تشجيعا للبنك للدور الوطني الذي كان يلعبه علي صعيد الاقتصاد خاصة ان طلعت حرب كان قد قرر اختتام مشروعاته المتكاملة في مجال القطن, باقتحام ما كان حتي هذا الوقت حكرا علي ثلاث عائلات اجنبية: شملا وصيدناوي وشيكوريل, وفي عام23 قرر بنك مصرافتتاح شركة بيع المصنوعات المصرية لتجارة المنسوجات والازياء والملابس الجاهزة وكافة الادوات المنزلية والخردوات. ولعل عقليته المتفتحة هي التي حفزته ايضا علي اقتحام مجال النقل الجوي والذي كان مايزال مصدر خوف من جانب المصريين في ذلك الوقت وفي مايو32 تأسست شركة مصر للطيران وبدأت رحلاتها المنتظمة الي السودان وفلسطين والسعودية. ومن هذا العرض السريع لاسماء الشركات والمشروعات التي فكر فيها طلعت حرب ونفذها بنك مصر ندرك الي اي مدي ندين لهذه العقلية الاقتصادية الفذة بالكثير والكثير, فالراسمالية الوطنية هي التي تقوم علي دعائم اقتصادية قوية كتلك التي خلفها لنا طلعت حرب, فاستطاعت الصمود في وجه الزمن والازمات بصرف النظر عن اي متغييرات. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق